فصل: حَذْفُ الْفِعْلِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.حَذْفُ جَوَابِ الْقَسَمِ:

لِعِلْمِ السَّامِعِ الْمُرَادَ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا يَوْمَ ترجف الراجفة}، تَقْدِيرُهُ: لَتُبْعَثُنَّ وَلَتُحَاسَبُنَّ بِدَلِيلِ إِنْكَارِهِمْ لِلْبَعْثِ فِي قولهم: {أإنا لمردودون في الحافرة}.
وَقِيلَ: الْقَسَمُ وَقَعَ عَلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ فِي ذلك لعبرة لمن يخشى}.
وكقوله تعالى: {لن نؤثرك} وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَيْهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ فِي: {ص وَالْقُرْآنِ ذي الذكر} فَقَالَ الزَّجَّاجُ: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار}، وَاسْتَبْعَدَهُ الْكِسَائِيُّ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَدْ تَأَخَّرَ كَثِيرًا وَجَرَتْ بَيْنَهُمَا قِصَصٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ في العربية.
وقيل: {كم أهلكنا} وَمَعْنَاهُ: لَكَمْ أَهْلَكْنَا وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ وَحُذِفَتِ اللَّامُ لِطُولِ الْكَلَامِ.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: {إِنْ كُلٌّ إلا كذب الرسل} وَالْمُعْتَرِضُ بَيْنَهُمَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ.
وَعَنْ قَتَادَةَ: {بَلِ الذين كفروا في عزة وشقاق}، مثل: {ق والقرآن المجيد بل عجبوا}.
وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ فِي هَذَا الْقَوْلِ: مَعْنَى (بَلْ) تَوْكِيدُ الْأَمْرِ بَعْدَهُ فَصَارَ مِثْلَ أَنَّ الشَّدِيدَةِ تُثْبِتُ مَا بَعْدَهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا مَعْنًى آخَرَ فِي نَفْيِ خَبَرٍ مُتَقَدِّمٍ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ: إِنَّ النَّحْوِيِّينَ قَالُوا: إِنَّ (بَلْ) تَقَعُ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ كَمَا تَقَعُ (إِنَّ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا تَوْكِيدُ الْخَبَرِ وذلك في {ص والقرآن} الآية. وفي: {ق والقرآن} الْآيَةَ. وَهَذَا مِنْ طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى (إِنَّ) لِأَنَّهُ سَائِغٌ فِي كَلَامِهِمْ أَوْ يَكُونَ (بَلْ) جَوَابًا لِلْقَسَمِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مُتَضَمِّنَةً رَفْعَ خَبَرٍ وَإِتْيَانَ خَبَرٍ بَعْدَهُ كَانَتْ أَوْكَدَ مِنْ سَائِرِ التَّوْكِيدَاتِ فَحَسُنَ وَضْعُهَا موضع (إن).
وَقِيلَ: الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ أَيْ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ أَوِ الْحَقُّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا السَّمَاءُ انشقت} جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ فَيَوْمَئِذٍ يُلَاقِي حِسَابَهُ.
وَعَنْ قتادة أن جوابه: {وأذنت لربها وحقت} يَعْنِي أَنَّ الْوَاوَ فِيهَا بِمَعْنَى السُّقُوطِ كَقَوْلِهِ تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين وناديناه}، أَيْ نَادَيْنَاهُ.
حَذْفُ الْجُمْلَةِ.
هِيَ أَقْسَامٌ: قِسْمٌ هِيَ مُسَبَّبَةٌ عَنِ الْمَذْكُورِ وَقِسْمٌ هِيَ سَبَبٌ لَهُ وَقِسْمٌ خَارِجٌ عَنْهَا، فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ليحق الحق ويبطل الباطل} فَإِنَّ اللَّامَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْفِعْلِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُتَعَلِّقٍ يَكُونُ سَبَبًا عَنْ مَدْخُولِ اللَّامِ فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ لَهَا مُتَعَلِّقٌ فِي الظَّاهِرِ وَجَبَ تَقْدِيرُهُ ضَرُورَةً فَيُقَدَّرُ: فَعَلَ مَا فَعَلَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ.
وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْفَجَرَتْ منه اثنتا عشرة عينا}، فَإِنَّ الْفَاءَ إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى شَيْءٍ مُسَبَّبٍ عَنْ شَيْءٍ وَلَا مُسَبَّبَ إِلَّا لَهُ سَبَبٌ فَإِذَا وُجِدَ الْمُسَبَّبُ- وَلَا سَبَبَ لَهُ ظَاهِرًا- أَوْجَبَ أَنْ يُقَدَّرَ ضَرُورَةً فَيُقَدَّرَ: فَضَرَبَهُ فَانْفَجَرَ.
والثالث: كقوله تعالى: {فنعم الماهدون} أَيْ نَحْنُ هُمْ أَوْ هُمْ نَحْنُ.
وَقَدْ يكون المحذوف أكثر من جملةكقوله تعالى: {فأرسلون يُوسُفَ} الْآيَةَ. فَإِنَّ التَّقْدِيرَ: (فَأَرْسِلُونِ إِلَى يُوسُفَ لِأَسْتَعْبِرَهُ الرُّؤْيَا فَأَرْسَلُوهُ إِلَيْهِ لِذَلِكَ فَجَاءَ فَقَالَ له: يَا يُوسُفُ).
وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ هَذَا الْكُلَّ محذوف لأن قوله: {أرسلون} يَدُلُّ لَا مَحَالَةَ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ (إِلَى يُوسُفَ) مَحْذُوفٌ ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا طَلَبَ الْإِرْسَالَ إِلَى يُوسُفَ عِنْدَ الْعَجْزِ الْحَاصِلِ لِلْمُعَبِّرِينَ عَنْ تَعْبِيرِ رُؤْيَا الْمَلِكِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ طَلَبِ الْإِرْسَالِ إِلَيْهِ اسْتِعْبَارُهُ الرُّؤْيَا الَّتِي عَجَزُوا عَنْ تَعْبِيرِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ} الآية، فأعقب بقوله حكاية عنها: {قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم}، تَقْدِيرُهُ: فَأَخَذَ الْكِتَابَ فَأَلْقَاهُ إِلَيْهِمْ فَرَأَتْهُ بِلْقِيسُ وقرأته و: {قالت يا أيها الملأ}.
وقوله: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا} حَذْفٌ يَطُولُ تَقْدِيرُهُ: فَلَمَّا وُلِدَ يَحْيَى وَنَشَأَ وَتَرَعْرَعَ قُلْنَا: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ مُوسَى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى قال يا هارون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أفعصيت أمري}.
وقوله: {فلما رآه مستقرا عنده} إلى قوله: {نكروا لها عرشها}.
وقوله: {أفمن شرح الله صدره للإسلام} أَيْ كَمَنْ قَسَا قَلْبُهُ تُرِكَ عَلَى ظُلْمِهِ وَكُفْرِهِ وَدَلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}.
وَمِنْ حَذْفِ الْجُمْلَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها} قِيلَ: الْمَعْنَى جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا وَإِلَّا فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ الْمَلَائِكَةُ أَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ وَبَاقِي الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ.
وقوله: {يحب أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}، قال الْفَارِسِيُّ: الْمَعْنَى فَكَمَا كَرِهْتُمُوهُ فَاكْرَهُوا الْغِيبَةَ: (وَاتَّقُوا الله) عطف على قوله: (فاكرهوا) إن لَمْ يُذْكَرْ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فانفجرت) أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ فَقَوْلُهُ: (كَرِهْتُمُوهُ) كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنْ معنى الجواب لأن قوله: (أيحب أحدكم) كَأَنَّهُمْ قَالُوا فِي جَوَابِهِ لَا، فَقَالَ: فَكَرِهْتُمُوهُ أَيْ فَكَمَا كَرِهْتُمُوهُ فَاكْرَهُوا الْغِيبَةَ.
قَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ: وَهَذَا التَّقْدِيرُ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ قَدَّرَ الْمَحْذُوفَ مَوْصُولًا وَهُوَ (مَا) الْمَصْدَرِيَّةُ وَحَذْفُ الْمَوْصُولِ وَإِبْقَاءُ صِلَتِهِ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا التَّقْدِيرُ فَهَذَا كَرِهْتُمُوهُ وَالْجُمْلَةُ الْمُقَدَّرَةُ الْمَحْذُوفَةُ ابْتِدَائِيَّةٌ لَا أَمْرِيَّةٌ وَالْمَعْنَى فَهَذَا كَرِهْتُمُوهُ وَالْغِيبَةُ مِثْلُهُ وَإِنَّمَا قَدَّرَهَا أَمْرِيَّةً لِيَعْطِفَ عَلَيْهَا الْجُمْلَةَ الْأَمْرِيَّةَ فِي قَوْلِهِ: (وَاتَّقُوا اللَّهَ).

.حَذْفُ الْقَوْلِ:

قَدْ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ حَتَّى إِنَّهُ فِي الْإِضْمَارِ بِمَنْزِلَةِ الْإِظْهَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، أَيْ يَقُولُونَ: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِلْقُرْبَةِ.
وَمِنْهُ: {وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا} أي وقلنا كلوا أو قائلين.
وقوله: {علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا} أَيْ قُلْنَا.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور خذوا} أَيْ وَقُلْنَا خُذُوا.
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا من مقام إبراهيم مصلى} أَيْ وَقُلْنَا: اتَّخِذُوا.
وَقَوْلُهُ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد من البيت وإسماعيل ربنا} أَيْ يَقُولَانِ: رَبَّنَا وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ.
{فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم} أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ لِأَنَّ أَمَّا لَا بُدَّ لَهَا فِي الْخَبَرِ مِنْ فَاءٍ فَلَمَّا أُضْمِرَ الْقَوْلُ أُضْمِرَ الْفَاءُ.
وَقَوْلُهُ: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أتراب هذا ما توعدون} يُقَالُ لَهُمْ هَذَا.
وَقَوْلُهُ: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ من كل باب سلام عليكم} أي يقولون سلام.
وقوله: {تتلقاهم الملائكة} أي يقولون لهم ذلك.
وقوله: {الذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم} أَيْ يَقُولُونَ مَا نَعْبُدُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إنا لمغرمون} أَيْ يَقُولُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ أَيْ مُعَذَّبُونَ وَتَفَكَّهُونَ: تَنْدَمُونَ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا} أَيْ يَقُولُونَ رَبَّنَا.
وقوله: {ماذا قال ربكم قالوا الحق} أَيْ قَالُوا قَالَ الْحَقَّ.

.حَذْفُ الْفِعْلِ:

وَيَنْقَسِمُ إلى عام وخاص:

.الخاص:

فَالْخَاصُّ نَحْوُ: أَعْنِي مُضْمَرًا وَيَنْتَصِبُ الْمَفْعُولُ بِهِ فِي الْمَدْحِ نَحْوُ: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}، وقوله: {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة} أَيْ أَمْدَحُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَنْعُوتُ متعينا لم يجز تقديره ناصب نعته بأعنى نَحْوُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَمِيدِ بَلِ الْمُقَدَّرُ فِيهِ وَفِي نَحْوِهِ أَذْكُرُ أَوْ أَمْدَحُ فَاعْرِفْ ذَلِكَ وَالذَّمُّ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ وَالْأَخْفَشُ يَنْصِبُ فِي الْمَدْحِ بأمدح وفي الذم بأذم.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْمَادِحِ إِبَانَةُ الْمَمْدُوحِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إِبَانَةِ إِعْرَابِهِ عَنْ غَيْرِهِ لِيَدُلَّ اللَّفْظُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ وَيَجُوزُ فِيهِ النَّصْبُ بِتَقْدِيرِ أَمْدَحُ وَالرَّفْعُ عَلَى مَعْنَى (هُوَ) وَلَا يَظْهَرَانِ لِئَلَّا يَصِيرَا بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ.
وَالَّذِي لَا مَدْحَ فِيهِ فَاخْتِزَالُ الْعَامِلِ فِيهِ وَاجِبٌ كَاخْتِزَالِهِ فِي وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ إِذْ لَوْ قِيلَ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَكَانَ عِدَةً لَا قَسَمًا.

.العام:

وَالْعَامُّ كُلُّ مَنْصُوبٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى أَوْ تَقْدِيرًا وَيُحْذَفُ لِأَسْبَابٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُفَسَّرًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا السَّمَاءُ انشقت}، {وإياي فارهبون}.
ومنه: {أبشرا منا واحدا نتبعه} {والسماء رفعها} {إذا الشمس كورت} {وإن أحد من المشركين استجارك} {وإن طائفتان} فإنه ارتفع (باقتتل) مُقَدَّرًا.
قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ الْفِعْلِ مَعَ شَيْءٍ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ الْعَامِلَةِ سِوَى (إِنْ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ.
وَجَعَلَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ هَذَا مِمَّا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الْحَذْفِ وَالذِّكْرِ فَإِنَّ الْفِعْلَ الْمُفَسِّرَ كَالْمُتَسَلِّطِ عَلَى الْمَذْكُورِ وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ إِبْهَامٍ وَلَقَدْ يَزِيدُهُ الْإِضْمَارُ إِبْهَامًا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُضْمَرُ مِنْ جِنْسِ الْمَلْفُوظِ بِهِ نَحْوَ: {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَرْفُ جَرٍّ نحو: {بسم الله الرحمن الرحيم} فإنه يفيد.
أَنَّ الْمُرَادَ: بِسْمِ اللَّهِ أَقْرَأُ أَوْ أَقُومُ أَوْ أَقْعُدُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَعِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِيَامِ أَوِ الْقُعُودِ أَيُّ فِعْلٍ كَانَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النُّحَاةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ بَعْضُ جُمْلَةٍ وَاخْتَلَفُوا.
فَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: الْجُمْلَةُ اسْمِيَّةٌ أَيِ ابْتِدَائِي بِسْمِ اللَّهِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: الْجُمْلَةُ فِعْلِيَّةٌ وَتَابَعَهُمُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَقْدِيرِ الْجُمْلَةِ فِعْلِيَّةً وَلَكِنْ خَالَفَهُمْ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ الْفِعْلَ مُقَدَّمًا وَهُوَ يُقَدِّرُهُ مُؤَخَّرًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَهُ فِعْلَ الْبِدَايَةِ وَهُوَ يُقَدِّرُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِحَسْبِهِ فَإِذَا قَالَ الذَّابِحُ: بِسْمِ اللَّهِ كَانَ التَّقْدِيرُ: بِسْمِ اللَّهِ أَذْبَحُ وَإِذَا قَالَ القارئ: بِسْمِ اللَّهِ فَالتَّقْدِيرُ: بِسْمِ اللَّهِ أَقْرَأُ.
وَمَا قَالَ أَجْوَدُ مِمَّا قَالُوا لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْمُنَاسَبَةِ أَوْلَى مِنْ إِهْمَالِهَا وَلِأَنَّ اسْمَ اللَّهِ أَهَمُّ مِنَ الْفِعْلِ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ)، جَنْبِي فَقَدَّمَ اسْمَ اللَّهِ على الفعل المتعلق ثم الْجَارُّ وَهُوَ (وَضَعْتُ).
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ وَقَعَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خلق السماوات والأرض ليقولن الله} وَقَوْلِهِ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا ليقولن الله} وَقَوْلِهِ: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قل بل ملة إبراهيم} أَيْ بَلْ نَتَّبِعُ.
أَوْ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَقِرَاءَةِ: {يُسَبِّحُ لَهُ فيها بالغدو والآصال رجال} ببناء الفعل للمفعول فإن التقدير: يسبحه رِجَالٌ.
وَفِيهِ فَوَائِدُ: مِنْهَا: الْإِخْبَارُ بِالْفِعْلِ مَرَّتَيْنِ. وَمِنْهَا جَعْلُ الْفَضْلَةِ عُمْدَةً.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْفَاعِلَ فُسِّرَ بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْهُ كَضَالَّةٍ وَجَدَهَا بَعْدَ اليأس، ويصح أن يكون (يسبح) بدل مِنْ (يُذْكَرُ) عَلَى طَرِيقَةِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وَ: (لَهُ فِيهَا) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ هُوَ (رِجَالٌ).
مِثْلُهُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم}، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْمَعْنَى زَيَّنَهُ شُرَكَاؤُهُمْ فَيُرْفَعُ الشُّرَكَاءُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ (زُيِّنَ).
وَمِثْلُهُ قوله تعالى: {وجعلوا لله شركاء} إِنْ جَعَلْنَا قَوْلَهُ (لِلَّهِ شُرَكَاءَ) مَفْعُولَيْ (جَعَلُوا) لأن لله في موضع الخبر المنسوخ وشركاء نَصْبٌ فِي مَوْضِعِ الْمُبْتَدَأِ وَعَلَى هَذَا فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ سُؤَالٌ مُقَدَّرٌ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قِيلَ جَعَلُوا الْجِنَّ فَيُفِيدُ الْكَلَامُ إِنْكَارَ الشَّرِيكِ مُطْلَقًا فَدَخَلَ اعْتِقَادُ الشَّرِيكِ مِنْ غَيْرِ الْجِنِّ فِي إِنْكَارِ دُخُولِ اتِّخَاذِهِ مِنَ الْجِنِّ.
وَالثَّانِي: ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الْجِنَّ بَدَلٌ مِنْ (شُرَكَاءَ) فَيُفِيدُ إِنْكَارَ الشَّرِيكِ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ وَإِنْ جُعِلَ (لِلَّهِ) صِلَةً كَانَ (شُرَكَاءَ الْجِنَّ) مَفْعُولَيْنِ قُدِّمَ ثَانِيهِمَا عَلَى أَوَّلِهِمَا وَعَلَى هَذَا فَلَا حَذْفَ.
فَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فقيل: {وجعلوا لله شركاء الجن} وَلَمْ يَقُلْ: (وَجَعَلُوا الْجِنَّ شُرَكَاءَ لِلَّهِ) تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ شَأْنَ اللَّهِ أَعْظَمُ فِي النُّفُوسِ فَإِذَا قُدِّمَ (لِلَّهِ) وَالْكَلَامُ فِيهِ يَسْتَدْعِي طَلَبَ الْمَجْعُولِ لَهُ مَا هُوَ؟ فَقِيلَ: شُرَكَاءُ وَقَعَ فِي غَايَةِ التَّشْنِيعِ لِأَنَّ النَّفْسَ مُنْتَظِرَةٌ لِهَذَا الْمُهِمِّ الْمُعَلَّقِ بِهَذَا الْمُعَظَّمِ نِهَايَةَ التَّعْظِيمِ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ عُلِّقَ بِهِ هَذَا الْمُسْتَبْشَعُ فِي النِّهَايَةِ كَانَ أَعْظَمَ مَوْقِعًا مِنَ الْعَكْسِ لِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ: وَجَعَلُوا شُرَكَاءَ لَمْ يُعْطِهِ تَشَوُّفَ النُّفُوسِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ: جَعَلُوا شُرَكَاءَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَصَدَقَاتِهِمْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْجَعْلَ غَالِبًا لَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّهِ وَيُخْبَرُ بِهِ إِلَّا وَهُوَ جَعْلٌ مُسْتَقْبَحٌ كَاذِبٌ إِذْ لَا يُسْتَعْمَلُ جَعَلَ اللَّهُ رَحْمَةً وَمَشِيئَةً وَعِلْمًا وَنَحْوَهُ لَا سِيَّمَا بِالِاسْتِقْرَاءِ الْقُرْآنِيِّ كَـ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} {ويجعلون لله ما يكرهون} إلى غير ذلك.
الرابع: أن أصل الجعل وإن جاز وإسناده إِلَى اللَّهِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْأَمْرُ لَائِقًا فَإِنَّ بَابَهُ مَهُولٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلَّمَنَا عَظِيمَ خَطَرِهِ وَأَلَّا نَقُولَ فِيهِ إِلَّا بِالْعِلْمِ كَقَوْلِهِ: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَدَبُ عَقْلًا وَكَانَ نَفْسُ الْجَعْلِ مُسْتَنْكَرًا إِنْ لَمْ يُتْبَعْ بِمَجْعُولٍ لَائِقٍ فَإِذَا أُتْبِعَ بِمَجْعُولٍ غَيْرِ لَائِقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ فُسِّرَ بِخَاصٍّ مُسْتَنْكَرٍ صار قوله: {وجعلوا لله شركاء الجن} فِي قُوَّةِ إِنْكَارِ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْأَوَّلُ جَسَارَتُهُمْ فِي أَصْلِ الْجَعْلِ الثَّانِي فِي كَوْنِ الْمَجْعُولِ شُرَكَاءَ الثَّالِثُ فِي أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ جِنٍّ.
الْخَامِسُ: أَنَّ فِي تَقْدِيمِ (لِلَّهِ) إِفَادَةَ تَخْصِيصِهِمْ إِيَّاهُ بِالشَّرِكَةِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ دُونَ جَمِيعِ مَا يَعْبُدُونَ لِأَنَّهُ الْإِلَهُ الْحَقُّ.
السَّادِسُ: أَنَّهُ جِيءَ بِكَلِمَةِ (جَعَلُوا) لَا (اعْتَقَدُوا) وَلَا (قَالُوا) لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى إِثْبَاتِ الْمُعْتَقَدِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَلْقِ وَالْإِبْدَاعِ.
السَّابِعُ: كَلِمَةُ (شُرَكَاءَ) وَلَمْ يَقُلْ: شَرِيكًا، وِفَاقًا لِمَزِيدِ مَا فَتَحُوا مِنِ اعْتِقَادِهِمْ.
الثَّامِنُ: لَمْ يَقُلْ (جِنًّا) وَإِنَّمَا قَالَ: الْجِنَّ، دَلَالَةً عَلَى أنهم اتخذوا الجن كلها جعلوه مِنْ حَيْثُ هُوَ صَالِحٌ لِذَلِكَ وَهُوَ أَقْبَحُ مِنَ التَّنْكِيرِ الَّذِي وَضَعَهُ لِلْمُفْرَدَاتِ الْمَعْدُولَةِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَعْنَى الْفِعْلِ الظَّاهِرِ، كَقَوْلِهِ تعالى: {انتهوا خيرا لكم} أَيْ وَائْتُوا أَمْرًا خَيْرًا لَكُمْ فَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ أَنَّ (خَيْرًا) انْتَصَبَ بِإِضْمَارِ ائْتِ لِأَنَّهُ لَمَّا نهاء عَلِمَ أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِمَا هُوَ خَيْرٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: (وَائْتُوا خَيْرًا) لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ وَلِأَنَّ النَّهْيَ تَكْلِيفٌ وَتَكْلِيفُ الْعَدَمِ مُحَالٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْدُورًا فَثَبَتَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ التَّكْلِيفِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ يُنَافِي الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ الضِّدُّ.
وَحَمَلَهُ الْكِسَائِيُّ عَلَى إِضْمَارِ كَانَ أَيْ يَكُنِ الِانْتِهَاءُ خَيْرًا لَكُمْ وَيَمْنَعُهُ إِضْمَارُ كَانَ وَلَا تُضْمَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إِذْ مَنْ تَرَكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ اللَّوْمُ وَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ (خَيْرًا).
وَحَمَلَهُ الْفَرَّاءُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيِ انْتَهُوا انْتِهَاءً خَيْرًا لَكُمْ وَقَالَ إِنَّ هَذَا الْحَذْفَ لَمْ يَأْتِ إِلَّا فِيمَا كَانَ أَفْعَلَ نَحْوَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَفْعَلُ.
وَرُدَّ مَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ الْكِسَائِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا} لَوْ حُمِلَ عَلَى مَا قَالَا لَا يَكُونُ خَيْرًا لَأَنَّ مَنِ انْتَهَى عَنِ التَّثْلِيثِ وَكَانَ مُعَطِّلًا لَا يَكُونُ خَيْرًا لَهُ. وَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وأنت خَيْرًا يَكُونُ أَمْرًا بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَلِلَّهِ دَرُّ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ مَا أَطْلَعَهُمَا عَلَى المعاني!.
وقوله: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} إِنْ لَمْ يَجْعَلْ مَفْعُولًا مَعَهُ أَيْ وَادْعُوا شركاءكم وبإظهار (ادعوا) قرأ وَكَذَلِكَ هُوَ مُثْبَتٌ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وقوله تعالى: {فراغ عليهم ضربا باليمين}، قال ابن الشجري: معناه مال عليهم بضربهم ضَرْبًا. وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ نَحْوَ أَتَيْتُهُ مَشْيًا أَيْ مَاشِيًا.
{ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} أَيْ سَاعِيَاتٍ. وَقَوْلُهُ: (بِالْيَمِينِ) إِمَّا الْيَدُ أَوِ الْقُوَّةُ.
وَجَوَّزَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ إِرَادَةَ الْقَسَمِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِلْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ تعالى: {لأكيدن أصنامكم}.
وَزَعَمَ النَّوَوِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا تقسموا طاعة معروفة}، أَنَّ التَّقْدِيرَ لِيَكُنْ مِنْكُمْ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقُلْنَا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت} أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ.
وَقَوْلِهِ: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مغلوب فانتصر ففتحنا} قَالَ النَّحَّاسُ: التَّقْدِيرُ فَنَصَرْنَاهُ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِأَنَّ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى مَا حُذِفَ.
وَقَوْلِهِ: {يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبحر} أَيْ يُكْتَبُ بِذَلِكَ كَلِمَاتُ اللَّهِ مَا نَفِدَتْ قَالَهُ أَبُو الْفَتْحِ.
وَقَوْلِهِ: {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ موتوا ثم أحياهم}.
فَقَوْلُهُ: (ثُمَّ أَحْيَاهُمْ) مَعْطُوفٌ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَمَاتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ وَلَا يَصِحُّ.
عَطْفُ قَوْلِهِ: (ثُمَّ أَحْيَاهُمْ) عَلَى قَوْلِهِ: (مُوتُوا) لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَفِعْلُ الْأَمْرِ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْمَاضِي.
وَقَوْلِهِ: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ الله النبيين} أي فاختلفوا فبعث وحذف لدلالة قوله: {ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ.
وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً كُفَّارًا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ فَاخْتَلَفُوا وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ.
وَقَوْلِهِ: {أَوَعَجِبْتُمْ أن جاءكم ذكر من ربكم} فَالْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: أَكَذَّبْتُمْ وَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ.
وَقَوْلِهِ: {قَالَ نعم وإنكم لمن المقربين}، هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ سَدَّ مَسَدَّهُ حَرْفُ الإيجاب كأنه قال إيجابا لقولهم: {إن لنا لأجرا}، نَعَمْ إِنَّ لَكُمْ أَجْرًا وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ على سفر}، أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ حَيْثُ أَوْجَبُوا الْفِطْرَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَخْذًا مِنَ الظَّاهِرِ.
وَقَوْلِهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى من رأسه ففدية}، أَيْ فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ.
وَقَوْلِهِ: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: التَّقْدِيرُ فَضَرَبُوهُ فَحَيِيَ.
فَحُذِفَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الموتى}.
وَزَعَمَ ابْنُ جِنِّيٍّ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بشهيد} أَنَّ التَّقْدِيرَ فَكَيْفَ يَكُونُ إِذَا جِئْنَا.
السَّادِسُ: أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كقوله: {وإذ قتلتم نفسا}، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هُوَ بِإِضْمَارِ (اذْكُرْ) وَلِهَذَا لَمْ يأت لإذ بِجَوَابٍ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا} وَلَيْسَ شَيْءٌ قَبْلَهُ تَرَاهُ نَاصِبًا لِـ: (صَالِحًا)، بَلْ عُلِمَ بِذِكْرِ النَّبِيِّ وَالْمُرْسَلِ إِلَيْهِ أَنَّ فيه إضمار (أرسلنا).
وقوله: {ولسليمان الريح} أَيْ وَسَخَّرْنَا.
وَمِثْلُهُ: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قبل} {وذا النون}.
وَكَذَا: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}، أَيْ وَاذْكُرْ.
قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى (اذْكُرْ) فِي هَذِهِ الْآيَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قليل مستضعفون في الأرض} {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم}.
وما قاله ظاهر، إلا أن مَفْعُولَ (اذْكُرْ) يَكُونُ مَحْذُوفًا أَيْضًا تَقْدِيرُهُ: (وَاذْكُرُوا أخالكم) وَنَحْوَهُ إِذَا كَانَ كَذَا وَذَلِكَ لِيَكُونَ (إِذْ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِ وَلَوْ لَمْ يفد ذَلِكَ الْمَحْذُوفُ لَزِمَ وُقُوعُ (إِذْ) مَفْعُولًا بِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُفَارِقُ الظَّرْفِيَّةَ.
السَّابِعُ: الْمُشَاكَلَةُ كَحَذْفِ الْفَاعِلِ فِي (بِسْمِ اللَّهِ) لِأَنَّهُ مَوْطِنٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ فِيهِ سِوَى ذِكْرُ اللَّهِ فَلَوْ ذُكِرَ الْفِعْلُ وَهُوَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ فَاعِلِهِ كَانَ ذَلِكَ مُنَاقِضًا لِلْمَقْصُودِ وَكَانَ فِي حَذْفِهِ مُشَاكَلَةُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى لِيَكُونَ الْمَبْدُوءُ بِهِ اسْمَ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَعْنَاهُ: (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) وَلَكِنْ لَا تَقُولُ هَذَا الْمُقَدَّرَ لِيَكُونَ اللَّفْظُ فِي اللِّسَانِ مُطَابِقًا لِمَقْصُودِ الْجَنَانِ وَهُوَ أن يكون في القلب ذكر الله وَحْدَهُ وَأَيْضًا فَلِأَنَّ الْحَذْفَ أَعَمُّ مِنَ الذِّكْرِ فَإِنَّ أَيَّ فِعْلٍ ذَكَرْتَهُ كَانَ الْمَحْذُوفُ أَعَمَّ مِنْهُ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تُشْرَعُ عِنْدَ كُلِّ فِعْلٍ.
الثَّامِنُ: أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَصْدَرِهِ، كَقَوْلِهِ تعالى: {فضرب الرقاب} وقوله: {فإما منا بعد وإما فداء} أَيْ فَإِمَّا أَنْ تَمُنُّوا وَإِمَّا أَنْ تُفَادُوا.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي نَصْبِ السَّلَامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما} وَفِي الذَّارِيَاتِ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما} وَفِي نَصْبِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِالْقَوْلِ أَيْ يَذْكُرُونَ قَوْلًا سَلَامًا فَيَكُونَ مِنْ قُلْتُ حَقًّا وَصِدْقًا.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَقَالُوا سَلَّمْنَا سَلَامًا أَيْ سَلَّمْنَا تَسْلِيمًا فَيَكُونَ قَدْ حَكَى الْجُمْلَةَ بَعْدَ الْقَوْلِ ثُمَّ حَذَفَهَا وَاكْتَفَى بِبَعْضِهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ هل هو منصوب بالقول أو بكونه مصدر لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؟.
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا}.
منصوب (بقالوا) كَقَوْلِكَ فَقُلْتُ حَقًّا أَوْ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أَيْ قَالُوا: أَنْزَلَ خَيْرًا مِنْ بَابِ حَذْفِ الْجُمْلَةِ الْمَحْكِيَّةِ وَتَبْقِيَةِ بَعْضِهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أساطير الأولين} فَمَرْفُوعٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَصْبُهُ عَلَى تَقْدِيرِ قَالُوا أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَتَّى يَقُولُوا ذَلِكَ وَلَا هُوَ أَيْضًا مِنْ بَابِ قُلْتُ حَقًّا وَصِدْقًا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا رَفْعُهُ.